السندات الخاضعة للشهر العقاري
تكمن أهمية المحافظة
العقارية بالنظر إلى موضوعها و هو العقار الذي يعد أهم عنصر مؤثر في المجتمع على
الإطلاق بل إن العقار و الرغبة في اكتسابه قد غير مسارات التاريخ و الأمم، و كل
النزاعات و الحروب مصدرها العقار، و ليس بالغريب أن يسمى العقار بالاستثمار
المضمون.
هذا، و الحديث عن الشهر
العقاري يجرنا إلى تعقب تطوره في النظام الجزائري، و ابرز مراحل هذا التطور كانت
مع صدور القانون المدني سنة 1975، حيث نصت المادة 793 منه على إلزامية إخضاع
المعاملات العقارية لقواعد الشهر العقاري، بل أن الملكية العقارية لا تنتقل حتى
بين الأطراف إلا باحترام هذه القواعد، فجعل المشرع، بذلك، للشهر العقاري أثرا بالغ
الأهمية، حيث أن الكتابة التي كانت قبل صدوره هذا القانون تنقل الملكية فيما بين
الطرفين و تجعل للشهر قوة ثبوتية في مواجهة الغير، أصبحت اليوم لا تنعقد حتى بين
أطراف العقد إلا بالشهر في المحافظة العقارية.
و من باب فضول الكلام،
التذكير بأن العقود المشهرة لا يمكن إعادة النظر فيها إلا عن طريق القضاء، فالشهر
العقاري لا يعد قرارا إداريا عاديا، بل هو تصرف قانوني نافذ على الجميع لا يمكن أن
يراجع إلا من طرف القاضي، و هو ما تؤكده المادة 16 من المرسوم 76/63، المتعلق
بتأسيس السجل العقاري حيث تنص صراحة بأنه " لا يمكن إعادة النظر في الحقوق
الناتجة عن الترقيم النهائي الذي تمّ بموجب
أحكام المواد 12، 13 و 14 إلا عن طريق القضاء " .
و كان لصدور الأمر 75/74 المؤرخ
في 12/11/1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي و تأسيس السجل العقاري و المرسومين 76/62
و 76/63، الإيذان الرسمي بتأسيس جديد للمحافظة العقارية و الدخول بها تدريجيا
بمعية مصالح مسح الأراضي نحو نظام جديد للشهر العقاري.
أما نظام الشهر العقاري
المتبع في الجزائر فهو نظام الشهر العيني، المعتمد أساسا على مسح الأراضي، لجعل
مجموعة البطاقات العقارية مرقمة و مرتبة بحساب العقارات، خلافا للنظام الشخصي
الموروث و الذي يعتمد على الأشخاص المالكين كأساس لترتيب الملكيات و مسك السجلات و
البطاقية.
و لما كانت عمليات مسح
الأراضي لم تكتمل بعد، فإن المعمول به في الجزائر هو المزج بين النظامين إلى حين
إعداد مسح الأراضي العام، دون ان يحدث هذا تداخلا في النظامين حيث نصت المواد من
113 على 115 من المرسوم 76/63 على تواصل العمل بالنظام الشخصي في محافظة ما طالما
لم يتم إيداع وثائق مسح الأراضي بها، و فور إيداعها تعوض البطاقات الشخصية بمجموعة
البطاقات العقارية و كل ما يتبعها من وثائق.
و الموازنة بين النظامين تفضي
إلى القول بأن الأضمن و الأسلم للمعاملات العقارية هو النظام العيني، لسبب بسيط هو
أن العقار ليس كله مملوك، و إن كان مملوكا فليس كله بسند و هذا يشكل عائقا كبيرا
في تحريك هذه الأملاك و استغلالها على أكمل وجه، و من جهة أخرى فإنه لا يمكن أن
نتصور في ظل النظام العيني مالكين لعقار واحد و هو الأمر الممكن في النظام الشخصي
باعتبار تعدد طرق اكتساب العقار، و في النظام العيني لا يملك العقار و لا يمكنه
التصرف فيه إلا صاحب الدفتر، فهو سند ملاصق له و يسجل عليه كل ما حصل على العقار،
و لأن المحافظة العقارية كمرفق عام تقدم خدمة عمومية بالغة الأهمية تتمثل في ضمان
و تأمين المعاملات العقارية، نرى أن النظام العيني سيمكنها من بلوغ أهدافها على
أكمل وجه.
و مناط عمل المحافظة
العقارية حول ثلاثة محاور و هي :
دراسة و إشهار العقود و
الوثائق المودعة؛
تسليم المعلومات و نسخ العقود
لطالبيها، مع مسك للبطاقية؛
إعداد و تسليم الدفاتر
العقارية مع مسك لوثائق مسح الأراضي.
و موضوع هذه المداخلة
سينصب على سرد للوثائق الخاضعة للشهر العقارية ثم ننظر في مدى مطابقتها لقواعد
الشهر العقاري الشكلية و الموضوعية.
تحميل البحث كاملا
تعليقات: 0
إرسال تعليق